يوسف وهبي : أدمنت الكوكايين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"يوسف بك وهبي"
آثر الفنان يوسف وهبي أن يسبغ علي مذكراته من أدائه الفني ، وأضاف إليها كل ما مارسه طوال حياته الفنية من مؤثرات صوتية وتكنيك فني ودراما " فاقعة أحيانا " وكوميديا ساخرة أحيانا ، وقد استحوذت مغامراته العاطفية علي جزء كبير مما جاء في هذه المذكرات التي صدرت في ثلاثة أجزاء ، ولم يمهل القدر الفنان يوسف وهبي لكتابة الجزء الرابع ، وجاءت المذكرات بعنوان " عشت ألف عام – مذكرات عميد المسرح المصري يوسف هبي " والناشر "مطبوعات دار المعارف " بمصر عام 1973 .
ونبدأ مع مذكرات يوسف وهبي التي يقول فيها: يندر أن أهنأ بسبات عميق ، فذكريات الماضي يحلو لها أن تهاجمني في الليل البهيم ، وشريطه السينمائي يعرض في أعماقي طوال الليالي ، فأهب من رقادي مهما كنت مراهقاً ، وإذا تصادف وانتصر علي النعاس ، فعقلي الباطن لا ينام ، بل يظل مستيقظاً ، وكثيراً ما يحدث عندما أعتزم كتابة مسرحية ، ويستعصي علي مخيلتي تنظيم أحداثها ، أن يتطفل عقلي الباطن المستيقظ ويشاركني في تنظيم وقائعها ، إنه كالضيف الثقيل الذي لا تحلو له زيارتي إلا ليلاً فأضطر إلي إضاءة ( الأباجورة ) المجاورة لفراشي ، وأنخرط في الكتابة .
ذات ليلة – منذ بضعة أشهر – سمعت دوياً في أذني ، ثم اهتز سريري ، ففتحت عيني وأنا بين النوم واليقظة فلمحت على أشعة القمر التي تتسرب من نافذة غرفة نومي شبحاً ، وعندما دققت النظر بدا لي الشبح كصورة طبق الأصل مني فارتجفت وهمهمت من أنت ؟ أنا حاضرك ـ حاضري ! وماذا تريد ؟ جئت لأعاتبك على كسلك وإهمالك في تسجيل ماضيك.
نعم أنت محق ، كثيراً ما أمسكت القلم وأنا معتزم أن أكشف عن ماضي ، ومراراً ملأت عنه صفحات ، وفي كل مرة أتوقف ، بل أمزق ما دونت ، لأن تاريخ حياتي يحتاج إلى كل وقتي ، والتفكير فيه يضنيني ويهد كياني .
فرد الشبح : سألازمك من الآن ولن أدعك حتى تنتهي منها .
إنها مسئولية خطيرة ، وأسرار طواها الزمن ويشوبها عدم الاستقرار، إنها مسيرة طويلة وعمرا عشته طولاً وعرضاً ، وكثيراً ما أسأل نفسي ، كيف صمدت بمفردي وبدون عون من أي مخلوق على اجتياز الصعاب التي مرت بي ؟ عشرات السنين بين مد وجزر في قصور فاخرة ، وفي غرفة على السطح يشاركني فيها الدجاج ، رأس مال ضخم ورثته عن أبي وأضعته ثم استردته ثم فقدته دوامة لا تهدأ فقر وغنى ، شظف وترف ، ظلام وبهرة أضواء ، قامرت ، وربحت ، وخسرت، انتصرت وانهزمت ، ولكنني لم أسلم سلاحي ولم أخضع للأقدار ، ولم أغتر بالثراء ، ولم أجزع من الإفلاس العلني وملاحقة " الديانة " ، أعاصير وزوابع ، وحرب ضروس شهرتها على الرجعية والحقد ، مغامرات مع الجنس اللطيف تفوق حد الخيال ، راغبات في خلق علاقات مع ذوي الشهرة ، وفضوليات متعطشات للتذوق والتجربة ، فراشات تغريها الأضواء يتساقطن في أتون النار ، لكنني كثيراً كنت ضحية للمغريات .
ويواصل يوسف وهبي ويتذكر أدق التفاصيل التي مرت بحياته قائلاً : لفقوا لي القصص . اتهموني بأني قناص أصطاد الطير الضعيف ، نهم في المتعة ، حشاش ، سكير ، عربيد ، جعلت من المسرح مصيدة سقطت فيها كثيرات من الضحايا ، والحقيقة كانت عكس ما لفقوه لي ، وما ابتكروه لتحطيم سمعتي . أنا لا أدعي أنني كنت قديساً أو راهباً في محراب ، أو متصوفاً ، أو معصوماً من الخطأ والشهوات ، لكنني ـ كغيري أيام الشباب والفتوة ـ كنت أستجيب أحياناً للإغراء والجمال في شيء من النهم . بيد أنني لم أشرب الخمر ولم أتعاط المخدرات، ولم أرتكب موبقات سوى حبي السابق للقمار الذي سلبني عشرات الألوف .